رغم أن “باب الحارة” المسلسل الوحيد بين الأعمال السورية الذي يصور بسرية تامة، ولا يكشف عما سيتضمنه من أحداث، ويتم إنجازه عادة خلف أبواب موصدة بعيدة عن أعين الإعلام، إلا أنه في هذا العام، اضطر وعبر الشركة المنتجة، وربما مخرجه، أن يكشف عن واحد من أهم أسراره التي بات الجمهور يترقبه، والذي يتجسد بعودة شخصية (أبو عصام) حكيم الحارة وحلاق رؤوس رجالاتها، والذي كان الجزء الثالث افتتح بجنازته على خلفية خلاف حاد نشب بعد انتهاء الجزء الثاني من المسلسل، بين بطل الشخصية الممثل عباس النوري، ومخرج العمل بسام الملا، بعد أن طالب النوري بزيادة أجره كشرط لمشاركته في الجزء الثالث، الأمر الذي رفضه الملا معلناً وفاة أهم شخصيات العمل وسط حالة من الاستياء الجماهيري لمسها الملا، وقرأ الكثير عنها حتى شعر أنه اقترف ذنباً بحق الجمهور .
بيد أنه ومنذ بداية الشهر الحالي، بدأت المحطات الفضائية في التقديم للمسلسل من خلال عدة مشاهد، وفي أبرزها إشارة إلى عودة “أبو عصام” إلى الحياة من جديد، إذ يظهر ولده عصام “ميلاد يوسف” ماسكا رسالة بيده ويصيح بأعلى صوته “هذا خط أبي”، وفي مشاهد أخرى، يأتي من يخبر “عصام” أنه شاهد أبيه في بساتين الغوطة مع الثوار، ليتأكد بما لا يدع مجالا للشك أن عودة “أبو عصام”، المتوفى رسمياً في العمل، باتت مسألة وقت، وأقصى بُعد لها، بداية عرض العمل في شهر رمضان .
ولكي نحيط القضية بكل جوانبها، لا بد من العودة بضعة أشهر إلى الوراء وتحديداً إلى تصريحات لأحد نجوم الجزء الرابع من المسلسل وهو الممثل مصطفى الخاني الذي لمع بشخصية “النمس”، إذ أكد أنه جمع المخرج بسام الملا، والممثل عباس النوري على طاولة أنتجت صلحاً بين الطرفين بعد انقطاع لعامين كاملين . وحين سُئِل الخاني عن إمكانية عودة “أبو عصام” إلى المسلسل، أكد أن المسألة تتعلق بإيجاد مخرج درامي لها من حيث إن أبا عصام توفي في الجزء الثاني، وبالتالي الأمر ليس سهلاً، لكنه ليس مستحيلاً، وختم كلامه وقتذاك بالتأكيد على أن الجزء الخامس سيكون فيه “أبو عصام” وعبر عباس النوري نفسه .
مرت الشهور، وعلى ما يبدو فإن وعد (النمس) كان حراً وقد وفّاه للجمهور بشكل تام، و”أبو عصام” الدرامي، وعباس النوري الممثل، سيكونان واحداً في الجزء الخامس من العمل .
لكن ولأن ذاكرة الجمهور ليست خشبية، كما أن تصريحات سابقة للملا وللنوري، أكد كل منهما فيها على استحالة العودة إلى المسلسل من باب احترام عقل المشاهد العربي على حد تعبيرهما تجدر الأسئلة التالية: لماذا أشهر كل منهما سلاح التصريح للإعلام عند الفراق بينهما وراح يقول باستحالة عودة “أبي عصام” إلى المسلسل طالما أنهما يعرفان سلفا أن أي إشكال في الوسط الفني قد تلغيه المصالح المشتركة في النهاية؟
وإذا كانت شخصية أبو عصام هامة إلى درجة تستدعي الاستخفاف بعقول الناس بأن تموت ويقام لها عزاء في افتتاح الجزء الثالث، فلماذا تم قتلها؟ ألم يكن من الأفضل الإبقاء عليها وقتذاك واستبدال الممثل عباس النوري بآخر بعد نشوب الخلاف بينه وبين المخرج؟
أما إذا كان وجود عباس النوري هو الضروري وليس شخصية “أبي عصام” (الدرامية) فلماذا لم يبق المخرج على الشخصية متوفاة مع إيجاد دور مهم للنوري في العمل وبشخصية جديدة، والمعروف أنه في كل جزء هناك شخصيات جديدة وممثلون جدد؟
لطالما عاد “أبو عصام” بوجه عباس النوري، فمن يضمن ألا يعود سامر المصري (العكيد أبو شهاب) في الجزء السادس، بوسيط يجمع الملا بالمصري على طاولة تفاهم، لا سيما أن الأمر هنا أقل تكلفة من سابقه، من كون الملا لم يغلق “باب الحارة” في وجه العكيد بعد، بل أخفاه من دون ورود أي خبر عنه في الجزء السابق؟
وما المانع بعد عودة “أبي عصام” أن تتم إعادة كل الشخصيات التي فقدها المسلسل تباعا، من الزعيم “أبو صالح” عبدالرحمن آل رشي إلى “الإدعشري” بسام كوسا إلى أبو غالب نزار أبو حجر بما في ذلك (أبو سمعو) ناطور الحارة في الجزء الأول؟
ومعروف أن الممثل عباس النوري كان من أكثر الممثلين امتداحاً للمخرج بسام الملا إذ تربط بينهما صداقة عمرها عقدان من الزمن بدأت بمسلسل “أيام شامية” العام ،1992 وعندما أقلع الملا بمسلسل “باب الحارة” أول مرة في 2006 كان النوري من أكثر من دافعوا عن العمل فأكد في مختلف وسائل الإعلام أن العمل موثق وآت من خلفية تاريخية وأنه يخدم الحركة التوثيقية لدمشق .
إلا أنه بعد استبعاده من المسلسل بعد الجزء الثاني، شن النوري هجوماً عنيفاً على الملا متهما إياه باستخدام دمشق في الدراما لأهداف شخصية، مستنكراً أن تكون حالة دمشق في الثلاثينات من القرن العشرين على شاكلة باب الحارة . . وحول العلاقة الشخصية مع الملا أعلن النوري يومها أنها علاقة انتهت ومن الصعب إعادتها .
أما المخرج بسام الملا فإنه لن يجد أي حرج في إعادة شخصية “أبو عصام” إلى الحياة من جديد بعد دفنها وإقامة مأتم لها بداية الجزء الثالث، فهو المخرج الذي سبق له أن أعاد لعباس النوري “المعلم عمر” في “ليالي الصالحية” شقيقه المتوفى “محمود” رغم استشهاد الأخير في الحرب ودفن الجثة وإقامة عزاء
رسمي لها، وذلك في المشهد الأخير من المسلسل الذي تم عرضه عام 2004 .
ويعرف عن الملا أنه مخرج محب للنهايات السعيدة في أعماله حتى لو جانبت في فصولها المنطق، وما نهاية كل جزء من “باب الحارة” إلا دليل على ذلك، حيث كانت أمور الحارة تصل إلى حد الغليان الداخلي والتشنج مع الجوار “حارة أبو النار” والانهيار الوطني (ضد الفرنسيين) لكن في آخر ثلاثة مشاهد من آخر حلقة في كل جزء، كان الجار يقف إلى جانب جاره، و”أبو النار” يؤازر حارة الضبع، والفرنسيون يرتدون خائبين منهزمين .
وقبل أيام قليلة من إعلان عودة “أبو عصام” إلى العمل من جديد، خرج نجم الأجزاء الثلاثة الأولى سامر المصري (عكيد الحارة) بتصريح هاجم فيها المخرج بسام الملا، معتبراً أن إعادة “أبو عصام” إلى المسلسل تعتبر ضحكا في عقول الناس، وقال: الناس لن تحترم العمل بعد الآن إذا عاد “أبو عصام”، رافضاً في الوقت نفسه مجرد الحديث عن فكرة عودته هو إلى المسلسل .
كما لم يوفر المصري الفرصة لتوجيه انتقادات لاذعة للملا لاعتماده شخصية “النمس” كبديل عن شخصية “العكيد” لتكون عاملاً محركاً للعمل، متهماً شخصية “النمس” بأنها شخصية عميلة لا يجوز أن تكون بديلة عن شخصية العكيد (الوطنية)، مستغرباً أن يقوم الممثل مصطفى الخاني “النمس” باستغلال انتشار الشخصية ليؤدي من خلالها أغنية وطنية من كلماته وغنائه، وقال: الشخصية العميلة لا يجوز أن تغني للوطن .
"وكالات"