بقيت بضعة أيام تفصل بيننا وبين دخول شهر رمضان المبارك الذي يمارس المؤمنون والمسلمون فيه فريضة الصيام، الذي يعد أحد أركان الإسلام الخمسة، وفريضة الصيام وشهر رمضان لهما وقع خاص في قلوب المؤمنين والمسلمين عبر تاريخ الإسلام، حتى قال في ذلك الإمام ابن الجوزي: "وفي زماننا من إذا جلدته حتى يصلي ما صلّى، وإذا جلدته حتى يفطر في رمضان ما أفطر"!!
وهذا التعظيم لرمضان في حد ذاته أمر جيد وممدوح، لكن لا يجوز الاكتفاء به والاستمرار على التهاون في عمود الإسلام، وهو الصلاة، في رمضان أو بعد عيد الفطر!! كما لا يجوز ولا يقبل أن يبقى التعظيم لرمضان تعظيماً شكلياً وأجوف من خلال الاستعداد له بالإسراف في شراء الطعام والشراب أو أخذ إجازة من العمل للنوم في وقت الصوم والسهر أمام التلفزيون أو في المقاهي وقت القيام أو الإنفاق الهائل على الزينة الرمضانية، وبحسب جريدة "المصريون" (24/7/2010)، فإن مصر تستورد من الصين 11 مليون فانوس رمضاني بقيمة 35 مليون دولار سنويا، والتي يتم تصنيعها أساسا من القمامة التي تستوردها الصين من مصر وتعيد تصديرها لنا بعد تصنيعها في منتجات كثيرة منها الفوانيس!!
إن التعظيم والحب الحقيقي لرمضان وركن الصيام ينبعان من خلال التعظيم والحب الصادق والمخلص لمن أمر وشرع لنا صيام شهر رمضان، وهو الله عز وجل، وتعظيم وحب الله عز وجل يكون باتباع أمره واجتناب نهيه الذي علمنا إياه رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: "قُل إن كُنتم تحبون اللهَ فاتَّبعوني يُحِببْكُم اللهُ" (آل عمران 31).
وهذا التعظيم والحب لأمر الله عز وجل يكونان بالامتثال لجميع أوامر الله عز وجل، وعدم التفريق بينها؛ لأن المؤمن والمسلم الحقيقي يؤمن بأن جميع أوامر الله ونواهيه واجبة الطاعة وأن فيها صلاحه وسعادته، وقد عاب الله على الكفار والمشركين تجزئة الدين والإسلام، فقال تعالى: "أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب" (البقرة 85).
ومن صور التعظيم والحب الحقيقي بقدوم رمضان وفريضة الصيام ما يلي:
1 - التفقه بالأحكام الأساسية والحكم والغايات المقصودة من رمضان والصيام للعمل على الالتزام بها وتحقيقها، ونحن اليوم قد تيسرت لنا وسائل العلم بأحكام ومقاصد رمضان؛ فالكتب والأشرطة ومواقع الإنترنت وبرامج الفضائيات وغيرها تعج بالمئات من المواد المتخصصة بأحكام رمضان، والواجب على المسلم أن يمارس عبادته بعلم وفقه وليس ذلك بالأمر الصعب، وعلى أصحاب الحالات الخاصة كمرضى السكري وغيرهم والنساء الحوامل والمرضعات وسائقي السيارات على الخطوط الدولية البحث والسؤال عن وضعهم ليكون صومهم عن بصيرة، ومن الصور السلبية لتقصير بعض الصائمين في تفقه أحكام رمضان تكرار الأسئلة نفسها في كل رمضان من بدايته إلى نهايته حول بعض التصرفات هل تفطر أو لا وذلك في المساجد وبرامج الإفتاء في الراديو والتلفزيون، وهذا ينتهي إذا أنفق كل صائم أقل من ساعة على تعلم أحكام رمضان وتعليم عائلته.
2 - شهر رمضان شهر مبارك جعله الله فرصة سنوية للمؤمنين للتزود بالتقوى وزيادة الإيمان وكسب الأجور العظيمة مما يعينهم على مواصلة الطريق للقاء الله، ولذلك على المسلم الفطن بأن يركز على الغاية الكبرى لفريضة الصيام، وهي زيادة التقوى وكسب الحسنات، وهذا يكون من خلال التخطيط المسبق لكيفية الاستفادة القصوى من شهر رمضان، وكما يقولون في علم الإدارة إن كل ساعة تخطيط توفر لك بين ساعتين وأربع ساعات عمل، فإن التخطيط الجيد لرمضان يكسبك الكثير من الحسنات الزائدة ويجنبك إضاعة رمضان في الملهيات، وهناك الكثير من الكتب والمقالات التي تقدم لك أفكاراً إيجابية لاستغلال أمثل لشهر رمضان تجدها في الإنترنت، ومن الخطط القوية في رمضان:
- تحديد التفسير الذي ستدرسه في شهر القرآن لأنك لن تكتفي بالقراءة المجردة.
أو تحدد لنفسك البقاء يومياً في المسجد إلى شروق الشمس لقراءة القرآن أو حفظه.
أو تقرر المحافظة على صلاة الضحى.
3 - رمضان فرصة عظيمة لتعديل المسار ومراجعة النفس ومحاسبتها، ولذلك فالعاقل من المسلمين من يجعل من رمضان نقطة انطلاق للتخلص من بعض السلبيات التي تزعجه؛ فالأجواء الإيمانية والرحمة الربانية من أكبر المعينات لترك بعض العادات المحرمة؛ كالتدخين والتبرج والسفور وتضييع الأوقات في المقاهي وبين القنوات والمواقع السيئة، كما أن رمضان فرصة لتغيير المسار واكتساب الفضائل بشكل دائم؛ مثل الصلاة وصلاة الجماعة وصيام النوافل وقراءة القرآن وقيام الليل وتفقد الضعفاء من الفقراء والمساكين.
4 - ليكن استخدامك للتلفزيون في رمضان بشكل يحافظ على صيامك ويقوي تقواك، بمتابعة القنوات والبرامج الهادفة والملتزمة بالضوابط الشرعية، وهي كثيرة ومتنوعة وفيها الغنية عن سواها، إذ أصبح التلفزيون اليوم من أهم وسائل تفريغ رمضان من التقوى بما يعده أهل الفن من مسلسلات وفوازير تتعارض مع الحديث الذي رواه الإمام مسلم في صحيحه أن النبي الله صلى الله عليه وسلم قال: "كل عمل ابن آدم يضاعف: الحسنة بعشرة أمثالها إلى سبعمائة ضعف، قال الله عز وجل: إلا الصوم، فإنه لي وأنا أجزي به، يدع شهوته وطعامه من أجلي"، فهل من يتابع المسلسلات والفوازير ترك شهوته لله؟؟